الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي أكرم المرسلين سيدنا محمد وعلي آله وصحابته أجمعين وبعد ، فقد أكرمنا الله سبحانه وتعالي بنعمة الإيمان ، ومن علينا بنعمة الإسلام ، وأرسل إلينا خير رسول أرسل وأنزل فينا خير كتاب أنزل ، وجعلنا خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهي عن المنكر ، كما أنعم علينا سبحانه بنعمة الإخوة في الله في زمن طغت فيه الأثرة والأنانية وحب النفس وتغليب المصلحة الفردية ، هذه النعمة العظيمة التي لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن في خير بسببها لجالدونا عليها بالسيوف ، ومن نعم الله الظاهرة علي بعض عباده نعمة الدعوة إلي الله والعمل لدين الله في زمن قل فيه العاملون وكثر فيه القاعدون عن نصرة الدين والدعوة إليه بإحسان ، ونعمة الدعوة فضل من الله واصطفاء منه سبحانه لبعض عباده رغم أنها واجب علي الجميع كل في ميدانه ومجاله إمتثالا لقوله تعالي ( قل هذه سبيلي أدعوا الي الله علي بصيرة أنا ومن إتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ) فكل من يتبع رسول الله وجب عليه أن يدعو الي الله .
ولأن الدعوة إلي الله نعمة وفضل من الله وجب علي العاملين المجاهدين شكر هذه النعمة ، حتي تدوم عليهم ولا يحرمون منها ومن فضلها ( ومن أحسن قولا ممن دعا الي الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) .
والشكر كما ذكر العلماء له عدة أوجه هي :
(1) شكر اللسان :
بأن يداوم الدعاة والعاملون بتذكر هذه النعمة وشكر المنعم بها سبحانه وتعالي ، والتي لولاها لحرموا من خير كثير ، وبذلك يضمنوا مع هذا الشكر بقاء النعمة بل وزيادتها بكثرة العمل والجهد في سبيل الله .
(2) شكر الجنان :
بأن يستشعر الأخ المسلم بقلبه أثر هذه النعمه عليه ، وأنها كانت سببا وراء خروجه من دائرة السكون والعجز في هذه الحياة الي دائرة العمل والفعل والحركة والتأثير والنفع .
(3) شكر الجوارح والأركان :
بأن يضاعف أهل الدعوة من جهودهم في سبيل نشرها ونجاحها ، فلا يركنون فيعطونها فتات أوقاتهم .
ومن شكر الجوارح مضاعفة البذل والجهد والتضحية في سبيل رفعتها ، فتجد الأخ الشاكر علي نعمة الدعوة لايهدأ له بال ولا تلين له عزيمة إلا وهو يجد دعوته مزدهرة منتشرة يلتف حول لواءها الناس .
التضحية علي طريق الدعوة :
من هنا كانت التضحية في سبيل الدعوة ببذل النفس والوقت والمال وكل شيء في سبيل الغاية ، وفي ظلال هذه المعاني عاش صحابة رسول الله ومن سار علي نهجهم من الدعاة والمخلصين ، فقد كانوا يحيون لدعوتهم وبدعوتهم ، تراها في قلوبهم وتملأ عليهم حياتهم ، يحملون همها وينشغلون بها ، ويضحون من أجلها .
ومما يطمئن المؤمن ويدفعه للبذل والتضحية أن ما يفعله لا يضيع بل يقابل بالإحسان وأعظم الجزاء " وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين " سبأ أية 39 " ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون " آل عمران أية 157 وإن أي شيء يبذله المسلم يؤجر عليه سواء كان صغيراً أو كبيراً وقد ساق الإمام البنا في هذا المعنى قوله تبارك وتعالى " ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلاً إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين . ولا ينفقون نفقة صغيرة ولا كبيرة ولا يقطعون واديا إلا كتب لهم ليجزيهم الله أحسن ما كانوا يعملون " التوبة آية 120 ، 121 إن كل ما يقدمه المرء من تحمل للجوع والعطش والألم والتعب والخطوات التي يمشيها من أجل الدعوة والتي تغيظ أهل الكفر والطغيان وكل ما يسهم به من أجل نصرة الإسلام قليلاً أو كثيراً ، صغيراً أو كبيراً يحفظه الله لعبده ولا يضيع ويقابل الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة .
مفهوم التضحية كلمة التضحية في اللغة :
مصدر للفعل ضحى ، يقال ضحى بالشاة ونحوها أي ذبحها في الضحى يوم عيد الأضحى ، ويقال ضحى بنفسه ، أو بعمله ، أو بماله : أي بذله دون مقابل ( المعجم الوجيز ) .
من المفهوم يتضح أن الذي يضحي بوقته أو بماله أو بنفسه في سبيل غاية عظيمة ومقصد نبيل لاينتظر مقابل إلا رضا الله سبحانه وتعالي .
ورحم الله الإمام البنا وهو يتحدث في ركن التضحية فيقول : ( وأريد بالتضحية : بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الغاية وليس في الدنيا جهاد لا تضحية معه .
ولا تضيع في سبيل فكرتنا تضحية ، وإنما هو الأجر الجزيل والثواب الجميل ، ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بان لهم الجنة " سورة التوبة الاية 111 " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين " الآية24 سورة التوبة ، " ذلك بأنهم لا يصبيهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطئون موطئاً يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين " سورة التوبة من الآية 120 " فإن تطيعوا يؤتكم الله أجراً حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذاباً أليما " سورة الفتح آية 16 .
وبذلك تعرف معنى هتافك الدائم (والموت في سبيل الله أسمى أمانينا ) .
شرعية وأهمية التضحية في سبيل الله :
إن التضحية بالنفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في سبيل الله قد تكون واجباً لا فكاك عنه إذا كان لا بد منها لدفع الضرر عن المسلمين أو رد عدو عن أرضهم وقد تكون التضحية مندوبا إليها ومستحبة عندما لا تكون واجبة ، وقد طالب الإسلام المسلمين بالتضحية في سبيل الله ووعد بالجزاء عليها أحسن الجزاء قال تعالى " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم " التوبة آية 111 ولما كانت الدعوة لا تحيا إلا بالجهاد ، ولا جهاد إلا بتضحية ، فقد وجبت التضحية وحرم القعود والبخل ولحق صاحبه الإثم ، فقد قال تعالى " قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدى القوم الفاسقين " التوبة آية 24 وقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم على الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير " التوبة آية 38 ، 39 ، وقال تعالى " ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم " محمد آية 38 " فإن تطيعوا يؤتكم الله جراً حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما الفتح آية 16 ولقد أدرك الإمام الشهيد هذه المعاني ، وعلم العاقبة الوخيمة التي تنتظر القاعدين ، ومن هنا أعلن بكل قوة وصراحة أن " من قعد عن التضحية معنا فهو آثم " ... فكيف لا وقد توعدهم الله ووصفهم بالفسق ، كما توعدهم بالعذاب الأليم والاستبدال أكثر من مرة .
بين التضحية والجهاد :
يعلق الأستاذ سعيد حوي رحمه الله حول هذا المعني فيقول " هناك فارق إلى حد ما بين الجهاد والتضحية فأحيانا يتطابقان وأحياناً يتكاملان ولذلك اعتبرهما الأستاذ " الإمام البنا " ركنين ، فقد يجاهد المجاهد حتى إذا جاء دور بذل الروح تردد ، وقد يجاهد المجاهد بالوقت ويضحى بالمال ولكنه لا يضحى بالحياة ، ومن ثم أدخل الأستاذ البنا التضحية بالنفس والمال والوقت والحياة وكل شيء في هذا الركن ، إنه حيث وجد جهاد وجد نوع من التضحية غير أن الجهاد الكامل لا يكون إلا إذا وجدت تضحية كاملة ، وإن ميزان هذا الركن هو أن يبذل الإنسان نفسه وماله ووقته وحياته من أجل تحقيق الأهداف في سبيل الله " ملامح الشخصية المجاهدة المضحية : وقد حدد الإمام البنا ملامح الشخصية المضحية المجاهدة علي طريق الدعوة حيث قال : ( أستطيع أن أتصور المجاهد شخصا قد اعد عدته وأخذ أهبته وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه ، فهو دائم التفكير عظيم الاهتمام على قدر الاستعداد أبدا ، إن دعي أجاب وإن نودي لبى ، غدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجده ولعبه لا يتعدى الميدان الذي أعد نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التي وقف عليها حياته وإرادته ، يجاهد في سبيلها ، تقرأ في قسمات وجهه وترى في بريق عينيه وتسمع في فلتات لسانه ما يدلك على ما يضطرم في قلبه من جوىَ لاصق وألم دفين ، وما تفيض به نفسه من عزيمة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة ).
من هنا وجب علي العاملين أن يشمروا عن سواعدهم ، وأن يتخففوا من أثقال هذه الدنيا ، وأن يعيشوا حياتهم عزيزة كريمة من أجل قضية كبيرة وغاية عظيمة ، وأن يعلموا أن نجاحهم وفلاحهم في الدنيا والآخره مرهون بما قدموه لدينهم ودعوتهم .
قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعي مع الهمل ندعو الله أن يجعلنا من عباده الصالحين ومن جنده المخلصين العاملين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والحمد لله رب العالمين
منقول من ينابيع تربوية